(بيروت) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم، في الذكرى السنوية لسقوط الحكومة السابقة، إن السلطات الانتقالية السورية اتخذت خطوات إيجابية في مجال العدالة والشفافية والحقوق، لكنها تقاعست عن منع استمرار العنف والفظائع. وينبغي للسلطات السورية، التي تمضي بالبلاد قدما، أن تعالج بشكل ذي مصداقية، وبدعم دولي، المخاوف العالقة بشأن إصلاح قطاع الأمن، والمساءلة، وشمول جميع الفئات.
في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، نجح تحالف من الجماعات المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" في الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد، منهيا بذلك 60 عاما من حكم "حزب البعث" و13 عاما من النزاع الدموي. اعتمدت السلطات الانتقالية إعلانا دستوريا جديدا، وأجرت انتخابات برلمانية غير مباشرة، واتخذت خطوات أولية لضمان المساءلة عن انتهاكات الحكومة السابقة. لكن هذه الخطوات الإيجابية شوهها وقوضها التقاعس المتكرر عن منع ارتكاب فظائع واسعة، ارتكُب العديد منها على يد القوات الحكومية.
قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "خلقت نهاية حكم الأسد فرصة غير مسبوقة للسوريين لكسر عقود من الاستبداد وبناء بلد يحترم الحقوق. بعد مرور عام، هناك مؤشرات متزايدة على أن هذه الفرصة آخذة بالتقلص".
في 12 ديسمبر/كانون الأول 2024، أصدرت هيومن رايتس ووتش توصيات للسلطات السورية المؤقتة، حثتها فيها على التركيز على الحقوقفي عملية العدالة الانتقالية. بعد مرور عام، تنظر هيومن رايتس ووتش مجددا في التقدم المحرز بشأن هذه التوصيات.
وثّقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات ارتكبتها القوات الحكومية والجماعات التابعة لها ترقى إلى جرائم حرب في الساحل والسويداء. هناك أيضا تقارير موثوقة تفيد بأن الحكومة لا تمنع الانتهاكات ضد الأقليات في سوريا من قبل جماعات متعاطفة مع الحكومة الحالية. قالت هيومن رايتس ووتش إن عجز السلطات السورية الحالية عن كبح جماح هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها بشكل حقيقي، أو عدم رغبتها في ذلك، يقوّض الثقة في قدرتها على حفظ السلم والأمن وحماية الحقوق.
مع سعي السلطات الانتقالية إلى دمج مختلف الفصائل المسلحة في قوات الجيش والأمن السورية الرسمية، أدى ضم بعض الوحدات دون فحص دقيق إلى إتاحة الفرصة لارتكاب انتهاكات وغياب الانضباط.
التزام سوريا بالتحقيق في الفظائع المرتكبة في الساحل والسويداء أمر يستحق الثناء. إلا أنه ما تزال هناك مخاوف بشأن قدرتها على إجراء تحقيقات موثوقة ومحاسبة كبار المسؤولين، وهناك ثغرات كبيرة في إطار العدالة الجنائية في سوريا لا يمكن التغاضي عنها في المحاكمات الجارية، تشمل غياب المساءلة عن مسؤولية القيادة.
قد تتطلب السياقات الانتقالية أحيانا تنفيذ الإصلاحات تدريجيا. إلا أن ذلك لا ينطبق على القضايا التي تمس الحقوق الأساسية، مثل الانتهاكات التي ترتكبها القوات المسلحة. اتخذت السلطات السورية خطوات مهمة للمساءلة عن الانتهاكات السابقة، منها إنشاء "الهيئة الوطنية للمفقودين" لتحديد مصير آلاف المفقودين والمخفيين.
هذه خطوة أولى مهمة. إلا أنه، وبعد سبعة أشهر، يشعر الضحايا وأفراد أسر المخفيين بالإحباط بسبب غياب السبل المؤسسية للتعامل مع الهيئة وانعدام الشفافية بشأن عملياتها. كانت الإخفاءات القسرية والاعتقالات التعسفية من أساسيات استراتيجية الحكومة السابقة. كما قامت جهات أخرى، منها هيئة تحرير الشام و"الدولة الإسلامية"، باختطاف العديد من السوريين وإخفائهم. يتتحمل السلطات السورية المسؤولية الأساسية عن تحديد مصير المفقودين. يمكن للسلطات السورية التعامل مع مؤسسات دولية مختصة في البحث عن المفقودين، وينبغي للسلطات الاستفادة الكاملة من هذه الخبرة. ينبغي للسلطات السورية والمؤسسات المعنية ضمان أن يتم ذلك بطريقة تحترم كرامة المفقودين وأسرهم.
أنشأ الإعلان نفسه "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية". لكن من المهم الإشارة إلى أن ولايتها تقتصر على الجرائم التي ارتكبتها حكومة الأسد. وقد أدى الطابع الأحادي الجانب لهيئة العدالة الانتقالية، إلى جانب عدم وضوح أولوياتها، إلى إعراب المراقبين عن إحباطهم، خاصة وأن التطورات على الأرض تعزز الحاجة الملحة إلى إطار شامل للعدالة الانتقالية يتم الإعلان عنه والاتفاق عليه علنا.
تتطلب عملية العدالة الشاملة إصلاحات قضائية ومؤسسية محلية تضمن استقلالية عمليات المساءلة، وتضمن امتثال النظام القضائي وجميع المؤسسات الحكومية ذات الصلة لمعايير حقوق الإنسان والمحاكمة العادلة، ومواءمة التشريعات الرئيسية مع القانون الدولي.
اتخذت السلطات الانتقالية تدابير عدة لضمان الانتقال السياسي الرسمي. لكن هذه التدابير لا تكفي لضمان حقوق المشاركة العادلة والمناسبة للسوريين في الشؤون السياسية، حسبما قالت هيومن رايتس ووتش.
في 29 يناير/كانون الثاني، عُيّن القائد السابق لـ هيئة تحرير الشام أحمد الشرع رئيسا مؤقتا لسوريا. في مارس/آذار، اعتمدت الحكومة إعلانا دستوريا جديدا لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات. وجدت هيومن رايتس ووتش أن الإعلان يفتقر إلى الضوابطاللازمة لحماية استقلال القضاء والحق في المشاركة السياسية.
والأهم من ذلك أن الإعلان الدستوري عزز سيطرة السلطة التنفيذية على فروع الحكومة الأخرى، بسبل تشمل السماح للرئيس بتعيين ثلث أعضاء "مجلس الشعب"، وهو الهيئة التشريعية الرئيسية في سوريا، وجميع أعضاء "المحكمة الدستورية العليا"، أعلى محكمة في البلاد. في حين أن الفترات الانتقالية قد تتطلب تدابير استثنائية مؤقتة، إلا أنه ينبغي ألا تكون على حساب الحقوق الأساسية.
في 5 أكتوبر/تشرين الأول، أجرت الحكومة الجديدة أول انتخابات برلمانية لها، ولكن ليس عن طريق التصويت الشعبي أو المباشر. بل وافقت لجنة عينها الرئيس على انتخاب 119عضوا، عين الرئيس 70 منهم مباشرةً. أما انتخاب الـ 21الباقين – عن الحسكة والرقة والسويداء، وهي مناطق خارج سيطرة الحكومة الفعلية – فقد تم تعليقه. بالإضافة إلى المخاطر الكبيرة المتمثلة بالتلاعب السياسي في تصميم النظام الانتخابي، أدت الانتخابات إلى انخفاض تمثيل النساء والأقليات.
أبدت السلطات السورية المؤقتة انفتاحا أكبر على التعامل مع المنظمات الإنسانية الدولية والمستقلة، كما سمحت للمجتمع المدني بالعمل بشكل أكثر استقلالية. ومع ذلك، أخبر نشطاء في المجال الإنساني والمجتمع المدني هيومن رايتس ووتش أن قدرتهم على العمل لا تخلو من قيود. وأشار المجتمع المدني إلى صعوبة الحصول على الموافقات للتسجيل، والمضايقات، والتهديدات. وقال عمال الإغاثة إن الحكومة اشترطت تسليم المساعدات عبر "الهلال الأحمر العربي السوري"، وأشاروا إلى التأخيرات البيروقراطية.
للسوريين الحق في قيادة عملية الانتقال في البلاد. في وضع مثالي، تساهم الأطراف الدولية بخبراتها وتوفر إشرافا مستقلا كجسر لإعادة بناء الثقة في مجتمع منقسم. ينبغي للسلطات السورية الاستفادة مما هو قائم حاليا من آليات المساءلة والدعم السياسي والمالي دوليا لإيجاد إجراءات قضائية ملموسة وشاملة.
ينبغي للسلطات السورية أيضا أن تمكن الهيئات الدولية المكلفة بالتحقيق وحماية حقوق الإنسان بالوصول دون عوائق. ويشمل ذلك "المؤسسة المستقلة المعنية بالأشخاص المفقودين" و"الآلية الدولية المحايدة والمستقلة" الأممية، فضلا عن الوكالات الإنسانية التي تمتلك الخبرة والموارد اللازمة لمساعدة سوريا. ينبغي لتلك الهيئات الدولية أن تشارك خبراتها مع السلطات السورية وتدعم الهيئات المحلية المستقلة التي يمكنها القيام بهذه المهام.
يساعد رفع العقوبات من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و"الاتحاد الأوروبي" ودول أخرى على تمهيد الطريق لإعادة بناء الاقتصاد الذي دمره النزاع والفساد. ينبغي للسلطات السورية ضمان أنها لا تميّز في توفير الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وينبغي للمجتمع الدولي تقديم الدعم المالي والتقني إلى سوريا في إعادة بناء اقتصادها، مع رفض أي شكل من أشكال مع الانتهاكات والتمييز.
قال كوغل: "ينبغي ألا يُترجَم ارتياح العالم لانتهاء الرعب الذي فرضه الأسد إلى منح السلطات الحالية تفويض مطلق لارتكاب الانتهاكات. بدلا من ذلك، على المجتمع الدولي العمل مع السلطات السورية لترسيخ واقع تكون فيه حقوق جميع السوريين هي الأولوية".